فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

{فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} أي: الزلزلة ويقال: صيحة جبريل كما قال في آية أُخرى {فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة مُصْبِحِينَ} [الحجر: 83] ويقال: أخذتهم الزلزلة ثم أخذتهم الصيحة.
ويقال: النار {فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهُمْ جَاثِمِينَ} أي: صاروا في مدينتهم ومنازلهم ميتين، لا يتحركون وأصله من الجثوم.
ويقال: أصابهم العذاب بكرةً يوم الأحد. اهـ.

.قال الثعلبي:

{فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة} يعني الصيحة والزلزلة وأصلها الحركة مع الصوت. قال الله: {يَوْمَ تَرْجُفُ الراجفة} [النازعات: 6].
قال الشاعر:
وظلّت جمال القوم بالقوم ترجفُ ** ولمّا رأيت الحج قد آن وقته

وقال الأخطل:
كبر كالنسر أرجف الإنسان مهدود فيه ** أما تريني حناتي الشيب من

{فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ} أي في أرضهم وبلدتهم ولذلك وحد الدار. وقيل: أراد به الديار فوحد كقوله تعالى: {إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ} [العصر: 2] ومعنى {جَاثِمِينَ} جامدين مبتلين صرعى هلكوا، وأصل الجاثمّ البارك على الركبة.
قال جرير:
مطايا القدر كالحدأ الجثوم ** عرفت المنتأى وعرفت منها

. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ}.
فيها ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها حركة الأرض تضطرب من تحتهم.
والثاني: أنها الصيحة، قاله مجاهد، والسدي.
والثالث: أنها زلزلة أهلكوا بها، قاله ابن عباس.
{فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِم جَاثِمِينَ} قال محمد بن مروان السدي: كل ما في القرآن من {دَارِهِمْ} فالمراد به مدينتهم، وكل ما فيه من {دِيَارِهِم} فالمراد به مساكنهم، وفي الجاثم قولان:
أحدهما: أنه البارك على ركبتيه لأنهم أصبحوا موتى على هذه الحال.
والثاني: معناه أنهم أصبحوا كالرماد الجاثم لأن الصاعقة أحرقتهم.
وقيل: إنه كان بعد العصر. اهـ.

.قال ابن عطية:

{الرجفة} ما تؤثره الصيحة أو الطامة التي يرجف بها الإنسان وهو أن يتزعزع ويتحرك ويضطرب ويرتعد. ومنه قول خديجة فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، ومنه قول الأخطل: [البسيط]:
أما تريني حناني الشيب من كبر ** كالنسر أرجف والإنسان ممدود

ومنه إرجاف النفوس لكريه الأخبار أي تحريكها، وروي أن صيحة ثمود كان فيها من صوت كل شيء هائل الصوت، وكانت مفرطة شقت قلوبهم فجثوا على صدورهم والجاثم اللاطىء بالأرض على صدره مع قبض ساقيه كما يرقد الأرنب والطير، فإن جثومها على وجهها، ومنه قول جرير: [الوافرُ].
عرفت المنتأى وعرفت منها ** مطايا القدر كالحدأ الجثوم

وقال بعض المفسرين معناه حممًا محترقين كالرماد الجاثم.
قال القاضي أبو محمد: وحيث وجد الرماد الجاثم في شعر فإنما هو مستعار لهيئة الرماد قبل هموده وتفرقه، وذهب صاحب هذا القول إلى أن الصيحة اقترن بها صواعق محرقة. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {فأخذتهم الرجفة}.
قال الزجاج: الرجفة: الزلزلة الشديدة.
قوله تعالى: {فأصبحوا في دارهم} أي: في مدينتهم.
فإن قيل: كيف وحَّد الدار هاهنا، وجمعها في موضع آخر، فقال: {في ديارهم} [هود: 67]؟ فعنه جوابان، ذكرهما ابن الأَنباري.
أحدهما: أنه أراد بالدار: المعسكر، أي: فأصبحوا في معسكرهم.
وأراد بقوله: في ديارهم: المنازل التي ينفرد كل واحد منها بمنزل.
والثاني: أنه أراد بالدار: الديار، فاكتفى بالواحد من الجميع، كقول الشاعر:
كُلُوا في نِصْفِ بِطْنِكُم تَعِيشُوا ** وشواهد هذا كثيرة في هذا الكتاب.

قوله تعالى: {جاثمين} قال الفراء: أصبحوا رمادًا جاثما.
وقال أبو عبيدة: أي: بعضهم على بعض جثُوم.
والجثوم للناس والطير بمنزلة البروك للإبل.
وقال ابن قتيبة: الجثوم: البروك على الرُّكَب.
وقال غيره: كأنهم أصبحوا موتى على هذه الحال.
وقال الزجاج: أصبحوا أجسامًا ملقاة في الأرض كالرماد الجاثم.
قال المفسرون: معنى {جاثمين}: بعضهم على بعض، أي: إنهم سقط بعضهم على بعض عند نزول العذاب. اهـ.

.قال القرطبي:

{فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة} أي الزلزلة الشديدة.
وقيل: كانت صيحة شديدة خَلعت قلوبَهم؛ كما في قصة ثمود في سورة هود في قصة ثمود فأخذتهم الصيحة.
يقال: رَجَف الشيء يرْجُف رَجْفًا وَرَجَفَانًا.
وأرجفت الريحُ الشجرَ حرّكته.
وأصله حركة مع صوت؛ ومنه قوله تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الراجفة} [النازعات: 6] قال الشاعر:
ولما رأيت الحج قد آنَ وَقتُه ** وظلت مطايا القوم بالقوم تَرْجُفُ

{فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ} أي بلدهم.
وقيل: وُحِّد على طريق الجنس، والمعنى: في دورهم.
وقال في موضع آخر: {فِي دِيَارِهِمْ} [هود: 67 و94] أي في منازلهم.
{جَاثِمِينَ} أي لاصقين بالأرض على رُكَبهم ووجوههم؛ كما يجْثُم الطائر.
أي صاروا خامدين من شدّة العذاب.
وأصل الجُثُوم للأرنب وشبهها، والموضع مَجْثَم.
قال زهير:
بها العِينُ والآرَامُ يَمْشِين خِلْفَة ** وأطلاؤها يَنْهَضْن مِن كل مَجْثِمَ

وقيل: احترقوا بالصاعقة فأصبحوا مَيِّتين، إلا رجلًا واحدًا كان في حرم الله؛ فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه. اهـ.

.قال الخازن:

{فأخذتهم الرجفة}.
قال الفراء والزجاج: الرجفة الزلزلة الشديدة العظيمة، وقال مجاهد والسدي: هي الصيحة فيحتمل أنهم أخذتهم الزلزلة من تحتهم والصيحة من فوقهم حتى هلكوا وهو قوله تعالى: {فأصبحوا في دارهم جاثمين} يعني فأصبحوا في أرضهم وبلدهم جاثمين ولذلك وحد الدار كما يقال دار الحرب أي بلد الحرب ودار بني فلان بمعنى موضعهم ومجمعهم وجمع في آية أخرى، فقال في ديارهم لأنه أراد ما لكل واحد منهم من الديار والمساكن وقوله جاثمين يعني باركين على الركب والجثوم للناس والطير بمنزلة البروك للبعير وجثوم الطير هو وقوعه لاطئًا بالأرض في حال نومه وسكونه بالليل والمعنى أنهم أصبحوا جاثمين على وجوههم موتى لا يتحركون. اهـ.

.قال أبو حيان:

{فأخذتهم الرّجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين}.
روي أن السّقب لما عقروا الناقة رغا ثلاثًا فقال صالح لكلّ رغوة أجل يوم تمتعوا في داركم ثلاثة أيام فقالوا هازئين به متى ذلك وما آية ذلك فقال تصبحون غداة مؤنس مصفرة وجوهكم وغداة العروبة محمريها ويوم شيار مسوديها ثم يصبحكم العذاب يوم أول يوم وهو يوم الأحد فرام التسعة عاقرو الناقة قتله وبيتوه فدمغتهم الملائكة بالحجارة فقالوا له أنت قتلتهم وهمّوا بقتله فحمته عشيرته وقالوا: وعدكم أن العذاب نازل بكم بعد ثلاث فإن صدق لم تزيدوا ربكم عليكم إلا غضبًا وإن كذّب فأنتم من وراء ما تريدون فأصبحوا يوم الخميس مصفرّي الوجوه كأنها طليت بالخلوق فطلبوه ليقتلوه فهرب إلى بطن من ثمود يقال له بنو غنم فنزل على سيدهم أبي هدب لقيل وهو مشرك فغيبه ولم يقدروا عليه فعذّبوا أصحاب صالح فقال: منهم مبدع بن هدم يا نبي الله عذّبونا لندلّهم عليك أفندلّهم قال: نعم فدلّهم عليه فأتوا أبا هدب فقال لهم: عندي صالح ولا سبيل لكم عليه فأعرضوا عنه وشغلهم ما نزل بهم فأصبحوا في الثاني محمّري الوجوه كأنها خضبت بالدّم وفي الثالث مسوديها كأنها طليت بالقار وليلة الأحد خرج صالح ومن أسلم معه إلى أن نزل رملة فلسطين من الشام فأصبحوا متكفنين متحنطين ملقين أنفسهم بالأرض يقلبون أبصارهم لا يدرون من أين يأتيهم العذاب فلما اشتد الضحى أخذتهم صيحة من السماء فيها صوت كلّ صاعقة وصوت كل شيء له صوت في الأرض فقطعت قلوبهم وهلكوا كلهم إلا امرأة مقعدة كافرة اسمها دريعة بنت سلف عندما عاينت العذاب خرجت أسرع ما يرى حتى أتت وادي القرى فأخبرت بما أصاب ثمود واستسقت فشربت وماتت، وقيل: خرج صالح ومن معه من قومه وهم أربعة آلاف إلى حضرموت فلما دخلوها مات صالح فسمي المكان حضرموت، وقيل مات بمكة ابن ثمان وخمسين سنة وأقام في قومه عشرين سنة.
قال مجاهد والسدّي: {الرّجفة} الصيحة، وقال أبو مسلم: الزلزلة الشديدة، قال الزمخشري: {جاثمين} هامدين لا يتحركون موتى يقال: الناس جثوم أي قعود لا حراك بهم ولا ينسبون بنسبة ومنه المجثمة التي جاء النهي عنها وهي البهيمة تربط وتجمع قوائمها لترمى انتهى، وقيل: معناه حممًا محترقين كالرّماد الجاثم ذهب هذا القائل إلى أنّ الصيحة اقترن بها صواعق محرقة، قال الكرماني: حيث ذكر الرّجفة وهي الزلزلة وحدّ الدار وحيث ذكر الصيحة جمع لأن الصيحة كانت من السماء فبلوغها أكثر وأبلغ من الزلزلة فاتصل كل واحد منهما بما هو لائق به، وقيل في دارهم أي في بلدهم كنى بالدار عن البلد، وقيل: وحدّ والمراد به الجنس والفاء في {فأخذتهم} للتعقيب فيمكن العطف بها على قولهم: {فأتنا بما تعدنا} على تقدير قرب زمان الهلاك من زمان طلب الإتيان بالوعد ولقرب ذلك كان العطف بالفاء ويمكن أن يقدر ما يصحّ العطف بالفاء عليه أي فواعدهم العذاب بعد ثلاث فانقضت {فأخذتهم الرّجفة} ولا منافاة بين {فأخذتهم الرجفة} وبين {فأخذتهم الصيحة} وبين {فأهلكوا بالطّاغية} كما ظنّ قوم من الملاحدة لأنّ الرجفة ناشئة عن الصّيحة صيح بهم فرجفوا فناسب أن يسند الأخذ لكل واحد منهما وأما فأهلكوا بالطاغية فالباء فيه للسببية أي أهلكوا بالفعلة الطاغية وهي الكفر أو عقر الناقة والطاغية من طغى إذا تجاوز الحدّ وغلب ومنه تسمية الملك والعاتي بالطاغية وقوله: {إنا لما طغى الماء} وقال تعالى: {كذبت ثمود بطغواها} أي بسبب طغيانها حصل تكذيبهم ويمكن أن يراد بالطاغية الرّجفة أو الصّيحة لتجاوز كل منهما الحدّ. اهـ.

.قال أبو السعود:

{فأخذتهم الرجفة} أي الزلزلةُ لكن لا إثرَ ما قالوا بعد ما جرى عليهم من مبادئ العذابِ في الأيام الثلاثةِ حسبما مر تفصيلُه {فأصبحوا في دارهم} أي صاروا في أرضهم وبلدِهم أو في مساكنهم {جاثمين} خامدين موتى لا حَراكَ بهم، وأصلُ الجثومِ البروكُ، يقال: الناسُ جثومٌ أي قعود لا حَراك بهم ولا ينبِسون نبْسةً، قال أبو عبيدة: الجثومُ للناس والطير، والبروكُ للإبل، والمرادُ كونُهم كذلك عند ابتداءِ نزولِ العذابِ بهم من غير اضطرابٍ ولا حركة كما يكون عند الموت المعتاد، ولا يخفى ما فيه من شدة الأخذِ وسرعةِ البطش.
اللهم إنا بك نعوذ من نزول سخطِك وحُلولِ غضبِك. وجاثمين خبرٌ لأصبحوا والظرفُ متعلقٌ به، ولا مساغ لكونه خبرًا وجاثمين حالًا لإفضائه إلى كون الإخبارِ بكونهم في دارهم مقصودًا بالذات وكونِهم جاثمين قيدًا تابعًا له غيرَ مقصودٍ بالذات. قيل: حيث ذُكرت الرجفةُ وُحِّدت الدارُ، وحيث ذُكرت الصيحةُ جمعت لأن الصيحةَ كانت من السماء فبلوغُها أكثرُ وأبلغُ من الزلزلة فقُرن كلٌّ منهما بما هو أليقُ به. اهـ.